٤٤٨٠٦٢٤٢

info@alhenzab.com

الزَّهْرَةُ الرَّابِعَةُ: زَهْرَةُ الإِحْسَان

زهرة اليوم في وقفات إيمانية، هي زهرة من أجمل الزّهور التي نقتطفها في هذه الفترة التي تزامنت مع ظهور هذا الوباء المسمّى بـكوفيد19”.

زهرة نختارها من حديقة آيات وتعاليم القرآن الكريم: من قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.  (يونس: 26). ومن قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}. (الرَّحمن: 60). ومن قوله تعالى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. (القصص: 77).

ونستلهم شذاها من بستان السنَّة النبوية على صاحبها أفضل الصَّلاة وأزكى التَّسليم، في قوله: ((الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإنْ لم تكن تراه فإنَّه يراك))[1]. وعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((إنَّ الله كتبَ الإحْسَانَ على كلِّ شيء))[2].

هذه الزَّهرة يعبق ريحها ويزداد جمالها ويبلغ أثرها:

في وقتِ المِحَن والابتلاءات.وفي زمانِ الفتن والأزمات.وفي حالاتِ الحاجات والانكسارات.

هذه الزَّهرة هي (زهرة الإحسان)، وجائحة كوفيد19″، التي أصابت وأذهلت العالم في انتشارها وتأثيرها، هي موسمها وميدان تطبيقها وبثّها بين الناس كغيرها من الزهرات التي سبق وتطرقنا إليها علينا أن نُحسن التَّعامل مع المواسم بمختلف معطياتها، فالحياة فرصٌ ونفحات، والدّنيا دارُ عبور زائلة، والتَّعامل بالإحسان ((زهرتنا اليوم)) معها في كل وقت وحين، يجعل لنا فيها الأثر الطيّب هنا في الحياة، والفوز هناك عند لقاء الله سبحانه.

فما هو الإحسان؟

الإتقان في اللّغة العربية، هو أن تؤتي العمل على أتمّ وجه وأكمله وأحسنه، سواء كان فعلاً أو قولاً أو تصرّفاً، تماماً كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، صلّى الله عليه وسلّم، في قوله: ((إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يتقنه)[3].

ويكون ذلك مع كلّ من تتعامل معهم عبادةً لله وحدَه، وحتّى مع الجمادات والبهائم، كما جاء في حديث ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما، قال: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ))[4]. وهو النَّبيُّ الحبيبُ، صلَّى الله عليه وسلّم، حينَ يتحدَّثُ عن جَبَلِ أُحُدٍ، يصفه فيقول: ((إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ))[5].

ويكون الإنسان في تعامله بالإحسان مُدركاً ومستشعراً اطّلاع الله عليك، مستحياً من التّقصير فيه، وفي ذلك قمَّة الاستشعار، كما في حديث جبريل عليه السَّلام: ((قال ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فأنه يراك))، أي: تتصرَّف متذلّلاً مستحضراً قلبك مستشعراً عظمة ربّك.

ويتجدّد السُّؤال هنا: متّى يمكن أن نقطف هذه الزّهرة ونظفر بخيرها وبركتها ونفوز بجائزتها عن الله تعالى؟

فيأتي الجواب سريعاً: إنَّ هذه الزَّهرة ((زهرة الإحسان)) في حروفها ومعانيها، في نعيمها وخيرها متاحة في جميع الأوقات والأحوال، فهي:

عند السَّرَّاء وعند الضَّرَّاء، تكون أطيب.وعند الرّضا وعند الغضب تكون أبلغ.وعند العافية وعند البلاء تكون أعظم.

وفي سيرة الأنبياء والرّسل نجدُ أحسنَ الأمثلة وأروع البيان في وصف من تعامل بها وقطف ثمارها وجمع الإحسان كلّه، كلّ ذلك نجده في سورة من سور القرآن الكريم، امتدحها فنزل هذا الكتاب، وقال بأنَّها أحسنُ القَصَص، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ}. (يوسف: 3).

حازَ بطلها نبيّ الله يوسفُ، عليه السَّلام، على نصف الجمال في خلقه وهيئته، أحسن عليه السَّلام في أخلاقه وأبى إلاّ أن يقابل النّعم بالشّكر، فحافظ على عِفّته أمام الإغراءات، حافظ على أخلاقه وإحسانه أمام إساءات الغير، صَبَر على الظلم، وتحلّى بالإحسان في أصعب المواقف عليه السَّلام.

أثنى عليه ربُّه وجازاه مجازاة المحسنين لحكمته وعلمه، حتَّى وهو سجينٌ تجسَّد الإحسان في تعامله ورأى من معه آثارَ ذلك عليه، مكَّن الله له في الأرض، وهذا وعدُ الله لا يضيع أجرَ المحسنين، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. (هود:115). قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإنَّ الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه.

هذا الإحسان الذي أسمينا به زهراتنا، لا يمكن أن تجد عبقاً له أعظم ممَّا وجد في سورة يوسف، هذه السُّورة العظيمة، والتي تجمَّلت بالإحسان في كلّ أحداثها على الرَّغم من صعوبة مجرياتها إلا أنَّ الإحسانَ كان ملازماً لها.

وتعالوا معي، نتأمَّل هذا الإحسان من حولنا ليكون دافعاً وهاجساً نحرص على تطبيقه في كل أمورنا، تأمَّلوا الإحسان فيما ننعم به في هذه الدَّولة الكريمة، في ظلّ جائحة تجتاح العالم:

إحسان نشهده من أهلينا.وإحسان نشهده من رجال أمننا.وإحسان نشهده من جنودنا في الجيش الأبيض، خطّ دفاعنا الأبطال، الذين يواجهون عدواً أعجز الدّول الكبرى بفتك الأرواح وتعطيل المصالح ووقف لمناحي الحياة.

نتحسَّس إحساناً نتعامل به ونلمسه جَليّاً في:

فحوصات لا نُسأل عن ثمنها.علاجات توفّر على أعلى مستوى.خدمة لا يحلم بها أحد؛ فهناك من يتابع مواعيدك، وهناك من يأتي بدوائك.

إحسان نتفيَّأ ظلاله الوارفة في حياتنا، ولا نملك أن نجاريه إلاّ بمثله، فهل جزاءُ الإحسان إلاَّ الإحسان، قال ابنُ زيد في تفسير قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}. (الرّحمن: 60): (حينَ أحسنوا في هذه الدّنيا أحسنّا إليهم، أدخلناهم الجنَّة). وقال قتادة: (عَمِلُوا خيراً فجُوزُوا خيراً).

ولنا في يوسف عليه السَّلام القدوة والمثل الطيّب، في (زهرة الإحسان)، فقد جَمَعَ كلَّ معاني الإحسان في سيرته ومسيرته، وجسَّدها في حياته شاكراً لها عاملاً بها.

 

[1]  رواه الإمام مسلم في صحيحه.

[2]  رواه الإمام مسلم في صحيحه.

[3] أخرجه أبو يعلى والطبراني، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

[4]  أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

[5]  أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.