٤٤٨٠٦٢٤٢

info@alhenzab.com

(زهورُ الكُوفِيد) المقدِّمة

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى أثرهم وسار على منهجهم إلى يوم الدِّين،

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى،

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ.

اللّهُمَّ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ، فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ لِي رَشَدًا.

وبعدُ، فهذه الوقفات الإيمانية، هي مجموعة من المحاضرات ألقيت على مسامع ثلّة من البنات الكريمات والأخوات العزيزات، اللّواتي شاركنا معنا، في فعاليات وبرامج النادي الصيفي 2020، في مركز آل حنزاب للقرآن الكريم وعلومه، والذي كان هذا العام، تحت شعار” اقرأ وارتق”، وانتظمت فعاليته عن بعد، استجابة لتوجيهات قيادتنا الرّشيدة، في البقاء في البيوت، بناءً على الإجراءات الاحترازية بعد تفشّي فيروس “كوفيد 19″، وحفاظاً على سلامة أبنائنا وبناتنا وأخواتنا.

وقد جاءت تسمية هذه المحاضرات في هذا العالم الافتراضي، بـ” وقفات إيمانية“، لما يمثله استشعارُ القيم الإيمانية في هذه الأحداث والكوارث التي اجتاحت العالم، من أهمية كبرى في حياتنا كلّها، في علاقتنا مع الله سبحانه، ومع الأهل، ومع الأقارب، ومع النَّاس جميعاً، ذلك أنَّ كلّ ما يصيبنا من خير أو شرّ هو من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي، فهو كلّه خيرٌ لنا في دنيانا وآخرتنا، مصداقاً لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:  ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلاَّ للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ)).

ثمَّ كانت تسميَّة عناوين هذه الوقفات الإيمانية بـ “زهور الكوفيد”، استناداً إلى قيمة الفأل الحسن، التي كان ينتهجها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُعجبه الفألُ الحَسَنُ)). ففي حقيقة الأمر، فإنَّ فيروس “كوفيد 19” هو وباءٌ خطير أصاب الكرة الأرضية قاطبة، وفتك بأرواح ملايين الناس فيها، مثلما فتكت الأوبئة والأمراض والطواعين التي اجتاحت عالمنا الإسلامي في التاريخ، لكنّ علماء الأمَّة ورجالها الصَّالحين، عبر التاريخ، كانوا يتعاملون مع هذه الأزمات والفتن، بالحكمة المستقاة من توجيه القرآن الكريم وأحكامه وآياته، قال الله عزّ وجل: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}. (الحديد:22). وقال الله تعالى: {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ}. (الشورى: 30). والمستجيبة لإرشاد السنّة النبوية وأحاديث الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، قال النبي صّلى الله عليه وسلّم: ((ما يصيبُ المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا همّ ولا حُزن ولا أذَى ولا غَمّ حتى الشوكة يشاكها إلاَّ كفَّر الله بها من خطاياه)). وفي كتاب: (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي، (كان شُريح يقول: “إنّي لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربعَ مرَّات: أحمدُ إذ لم يكن أعظمَ منها، وأحمدُ إذ رزقني الصَّبر عليها، وأحمدُ إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثَّواب، وأحمدُ إذ لم يجعلها في ديني”.).

فهذه الجائحة وإن رآها البعض نِقمة ومِحنة، ففيها النّعمة والمِنْحة من الله سبحانه، فقد قال الله تعالى تسليةً وبشرى للمؤمنين، وهو يواجهون المحنَ والابتلاءاتِ والفتنَ، {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. (النور:11).  وقال عزّ وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. (البقرة: 216).

ومن هنا، كانت نظرتنا إلى هذه الجائحة نظرة إيجابية، وأنَّ الواجب في التعامل معها، يحتّمُ علينا العمل كيف نحوّلها إلى منحة وهدية ربانية، نستقي منها ما يفيدنا في حاضر حياتنا ومستقبلنا، ونأخذ الدروس والعِبر من أحداثها ونتائجها، ونحوّلها إلى زهور ورياحين ننثر شذاها وعبيرها في أسرنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا، وعلى منْ حولنا من النَّاس جميعاً.

ومن هذا المنطلق، كانت هذه الوقفات الإيمانية، وكانت هذه الزهور والرّياحين، نقدّمها لكم، ونسأل الله تعالى أن تكون نافعة مفيدة، ويكتب الله لنا ولكم حسنَ التوفيق في الدُّنيا والقَبول في الآخرة.

وقد جاءت هذه الوقفات الإيمانية في سبع زهرات متتاليات، على النَّحو التالي:

الزَّهرةُ الأولى: زَهرةُ الإيمان.

الزَّهرةُ الثَّانية: زَهْرَة الاستِشْعَار.

الزَّهرةُ الثَّالثة: زَهرةُ اللُّطف.

الزَّهرةُ الرَّابعة: زَهرةُ الإِحْسَان.

الزَّهرةُ الخَامسة: زَهرةُ الأُلْفَة.

الزَّهرةُ السَّادِسة: زَهرةُ القُدرة.

الزَّهرةُ السَّابِعة: زَهرةُ الشُّكر.

فكانت هذه زهورنا في هذه الجائحة منتقاة ومختصرات، وبكتاب ربّنا الكريم وسنّة نبيّنا مستلهمات، وللخير والنّفع معبّرات، ولله الحمدُ ربّ العالمين.

الدكتورة نورة آل حنزاب الدَّوحة … 2020/07م